السبت، 7 مارس 2009

محال «صقر قريش» تحولت إلي أوكار للمجرمين

تحقيق مها البهنساوي ١٦/ ٢/ ٢٠٠٨

٣٠٠ محل تجاري، تابعة لمشروع مساكن صقر قريش، مهجورة، خالية من أي حياة نهاراً، لكنها ليلا تتحول إلي وكر لشراء وتعاطي المخدرات.. هذه هي الصورة التي تحمل تفاصيل أكثر سوءاً، رصدناها مع سكان المنطقة الذين أغلقوا نوافذهم حتي لايروا ما يحدث في موقع كان مفترضا أن يكون موقعا للتجارة والإنتاج وليس للإجرام.

أكثر من ثلاثين عاما هي عمر تلك المحال التي تشغل مساحة شاسعة بصقر قريش، بجوار الحي الكندي وعمارات شركة النصر، منطقة مجهولة الهوية - كما يطلق عليها أهلها - حيث إنهم يسكنون في شوارع بلا أسماء، مئات من الأسر تعيش في المكان تخشي الاقتراب من المحال أو المناطق المجاورة لها، خاصة بعد تعرض معظمهم لسرقة سياراتهم،

فالمنطقة بعد الساعة الثامنة مساء تصبح مكانا غير آمن، رغم أن شارع المحال يعتبر أكثر شوارع المنطقة حيوية، ويرتبط بالطريق الدائري المؤدي إلي القاهرة الجديدة،

وبالطبع وجود تلك المحال المهجورة حال دون الاهتمام بالشارع فانتشرت به تلال القمامة، التي تغطي مخارجها ليتهيأ الجو لكل فاعلي الفحشاء أن يدخلوا ليلا أو نهارا دون أن يراهم أحد سوي سكان عمارات شركة النصر الذين حرموا أولادهم من النظر من خلال شرفاتهم المطلة علي تلك المحال حتي لا يروا أي مشهد غير لائق.

«من لم يشرب البانجو لن ينجو ، من غير حشيش مش هنقدر نعيش، دماغ بلا كيف تستاهل قطع السيف».. عبارات مكتوبة علي جدران المحال التي سرقت أبوابها وأسلاك الكهرباء بها، وامتلأت جدرانها بعبارات كثيرة، كلها تصف حال كاتبها الذي يعشق البانجو، ويولي اهتماماً خاصاً بالحشيش، بالإضافة إلي قطارات مرسومة بالطباشير، وبعض الألفاظ البذيئة التي تخدش حياء كل من يراها، ولم يخل المكان من أشرطة الأدوية وعلب الكشري والملاءات التي تدل علي وجود معيشة كاملة لكل من يأوي إلي هذا المكان المهجور.

«لو واحد اتقتل هنا محدش هيحس بيه».. يقول صابر محمد ـ صاحب ورشة تصليح عربات النقل الثقيل التي تواجه المحال بشكل مباشر ـ مضيفا: «من المفترض أن تكون المحال سوقاً تجارية تخدم الحي الكندي، وعمارات شركة النصر، هذا ما تم التعاقد علي أساسه مع جمعية صقر قريش، منذ أكثر من ٢٠ عاماً، ولكن بعد أن تم حل الجمعية لم ينظر أحد إلي كل هذا العدد من المحال الفارغة،

وتحولت بمرور الوقت إلي وكر للمخدرات والسرقة وغيره، لذا لو حدثت جريمة قتل هناك لن يشعر بها أحد، لأن المكان يخلو تماما من المارة بحلول الساعة الثامنة مساء، ولولا انتشار بعض ورش النقل الثقيل بالمنطقة لتحولت إلي وكر نهاري وليس ليلياً فقط، خاصة أننا ـ أصحاب الورش ـ تعاقدنا مع إحدي شركات الأمن والحراسات للحفاظ علي ممتلكاتنا من السرقة، وبالرغم من تكرار شكوانا أكثر من مرة، فإن المحافظة اقتصر دورها علي إزالة تلال القمامة».

لم تختلف آراء سكان المنطقة حول طبيعة المحال، الذين أكد معظمهم أنه من المفترض أن تكونا سوقا تجارية لخدمتهم هذا ما أكده الدكتور سمير فاضل أستاذ تاريخ حديث بآداب بنها، وأحد سكان عمارات النصر، حيث قال «منذ جئنا إلي هذه المنطقة في أوائل التسعينيات، ونحن علي دراية تامة بأن تلك المحال ستكون سوقاً تجارية لخدمة السكان،

خاصة أن أقرب سوق تبعد عنا أكثر من نصف ساعة، ومنذ ذلك الوقت تحولت المحال إلي ملجأ للمجرمين والمتعاطين، وأصبحت بؤرة مهمة لهم في منطقة من المفترض أنها راقية، وليست من العشوائيات، وقدمنا عدة شكاوي إلي كل من حيي البساتين والمعادي، وكانت الإجابة دائما «المحال لا تتبعنا».

«أغلق نوافذ سيارتي إذا عدت لمنزلي في وقت متأخر حتي لا يصيبني أذي» يشير.. «حسن عزت» أحد السكان، قائلا: «أحيانا تضطرني ظروف العمل إلي الحضور للمنزل في وقت متأخر، وقتها يتملكني الرعب أثناء المرور أمام المحال المهجورة، وأغلق جميع نوافذ السيارة خوفا من خروج أي لص أو مجرم يصيبني بأذي».

لم تتوقف المشكلة عند الخوف الذي يسيطر علي المكان، بل إن تلال القمامة باتت الحاجز الذي يتخفي وراءه المجرمون، والغريب أن السكان أجمعوا علي مواظبتهم علي دفع فواتير النظافة، تقول سوسن محمد ـ مدرسة ـ وإحدي سكان عمارات النصر: «ندفع ٥ جنيهات شهريا هي قيمة فاتورة النظافة، علي أمل أن تأتي إلينا شركة النظافة التي تُحصّل تلك الفواتير، ولكن دون فائدة، والمحافظة لم تهتم بوضع صناديق للقمامة».

وتحكي سوسن انها كادت تتعرض لحادث، بسبب خروج أحد المجرمين يوما من المحال مهرولا إلي الشارع أثناء مرورها بسيارتها، بدا أنه غير متزن وجري وراء سيارتها وتكررت مثل هذه الأحداث مع آخرين.

«ماذا تشعر عندما تستيقظ صباح أول أيام العيد وبجوار منزلك جثة؟».. هذا ما قاله حسنين محمد، أحد السكان، الذي أكد ومعه الكثير من السكان أنهم في أول أيام عيد الفطر وجدوا جثة بنت أمام المحال، ملطخة بالدماء وبها عدة طعنات، وعلي الفور قاموا بإبلاغ الشرطة، التي جاءت بعد بساعتين.

وأكد صفوت محمد ـ مدير بنك، وأحد سكان عمارات النصر - تكرار حوادث سرقات البطاريات من السيارات، حتي وصل عدد السرقات إلي أكثر من سبع بطاريات في أسبوع واحد، وهو ما آثار استياء جميع السكان، الذين لجأوا عدة مرات إلي الشرطة لتوفر لهم الأمان والحماية اللازمة، ولكن دون جدوي، حيث يقتصر دورهم علي تحرير المحاضر فقط، والحي يرسل سياراته لنقل القمامة من حين لآخر فقط، دون الاكتراث بأهمية توفير الأمان للسكان.

«نحاول توفير قدر من الأمان، ولكن بالجهود الذاتية».. هذا ما قالته نيفين محمد ـ مدرسة ـ عن كيفية محافظتهم علي المعيشة وسط أجواء من الرعب والقلق، وأضافت: «قمنا بعمل بوابات حديدية لكل المنازل، لحمايتها من السرقة، أو أي اعتداء من هؤلاء المجرمين،

خاصة أثناء وجود سفاح المعادي الذي أثار الرعب بكل سكان القاهرة ، وكنا نحن الأقرب إليه ، وتصور البعض ان تلك المحال المظلمة هي المخبأ الذي يؤوي هذا المجرم المختل، فازدادت حالة الرعب لدينا، ولجأ بعض السكان إلي هجر منازلهم طوال فترة وجود السفاح.

وأضافت نيفين أنها تمنع أولادها من الوقوف في شرفات المنزل خوفا من أن يروا أي مشهد غير لائق، خاصة بعد أن تعرضوا أكثر من مرة لرؤية أشخاص يتجردون من ملابسهم علانية أمام المحال وينادون للسكان حتي يخرجوا من شرفاتهم، ويشاهدوا هذا المشهد القبيح، وهو ما خدش حياء الرجال منا قبل النساء، فضلا عن الألفاظ النابية التي ينادون بعضهم بعضا بها.

أشار سعيد محمد، صاحب كشك مجاور للمحال إلي تكرار سرقة المسجد المواجه لها، مؤكداً خروج بعض الشباب منها ليلا لسرقة «ميكروفون» المسجد بالإضافة إلي كسر خزينة الجمعية الشرعية وسرقة التبرعات التي بداخلها، وبالرغم من تحرير عدة محاضر، فإن سياسة عدم الاكتراث هي المسيطرة علي المسؤولين - علي حد قوله.

«لن أتحكم فيما لا أملك، ولن اتحمل مسؤولية فشل جمعيات أهلية».. هكذا رد اللواء بهاء الدين حسن، رئيس حي البساتين ودار السلام، عندما تحدثنا معه عن مشكلة المحال المهجورة التابعة لحي البساتين، حيث قال: «مشكلة المحال بدأت منذ أوائل السبعينيات،

عندما قامت جمعية صقر قريش ببنائها وعددها يزيد علي ٣٢٠ محلاً لتكون سوقا تجارية تخدم سكان المنطقة، ولكن بعد حل الجمعية انتقلت ملكيتها الي الاتحاد المركزي التعاوني للإسكان، ومنذ ذلك الوقت لم يكترث أحد بتشغيلها أو بيعها للاستفادة منها، وبمرور الوقت تحولت إلي بؤرة وبائية للقمامة، ولكن مهما يكن حالها فليس من اختصاص الحي التدخل لحل تلك المشكلة، لأننا لا نمتلك فيها شيئاً، ويقتصر دورنا فقط علي توصيل المرافق».

وأنكر حسن وجود أي شكاوي من السكان المجاورين للمحال مثل حدوث السرقات والاعتداءات، وقال: «لم أسمع أي شكوي من السكان إلا بعض المشكلات الخاصة بالقمامة التي نحاول حلها بعربات خاصة من الحي، أما الشكاوي الخاصة بالسرقات أو الاعتداءات وغيرها من أشكال الإجرام فهذا ليس تخصصنا ويسأل عنه رجال الشرطة».

وتابع «المنطقة بأكملها غير مؤمنة والمحال هي المشكلة الأقل أهمية»، مشيرا إلي أن المنطقة لا يتوافر بها الأمان الذي يضمن لسكانها الحياة دون خوف، خاصة أن أقرب قسم يبعد عنها أكثر من ساعة، لذلك منذ أكثر من ستة أشهر طلب الحي من وزارة الداخلية ضرورة وجود بعض أفراد الأمن، بالإضافة إلي قسم شرطة يتبع تلك المنطقة، لتوفير قدر من الأمان للسكان، ولكن الموضوع مازال مطروحا للدراسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق